يُعَدّ الفساد في العراق من أكبر التحديات التي تواجه الدولة، رغم امتلاكها مؤسسات رقابية وقضائية مختصة بكشف التجاوزات المالية والإدارية ومع ذلك، تبقى المحاسبة الحقيقية غائبة بسبب غياب الإرادة السياسية الفاعلة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى تلك الأدوات في ظل سيطرة نفوذ القوى السياسية على المشهد.
الرقابة موجودة.. لكن هل هي فاعلة؟
من الناحية الرسمية، يمتلك العراق العديد من الجهات المختصة بمكافحة الفساد، أبرزها هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية، ومكاتب المفتشين العموميين، إضافة إلى لجان برلمانية تعمل على متابعة ملفات الفساد.
ومع ذلك، يرى المراقبون أن هذه المؤسسات تواجه عراقيل كبيرة، أبرزها التدخلات السياسية والضغوط التي تعيق فتح ملفات الفساد الكبرى، مما يحد من فعاليتها في محاسبة المسؤولين المتورطين.
إرادة سياسية غائبة.. من المستفيد؟
ويرى النائب المستقل كاظم الفياض في حديثه لـ "المداد الإخبارية"، أن المشكلة الأساسية لا تكمن في ضعف المؤسسات الرقابية، بل في غياب الإرادة السياسية لمحاربة الفساد بجدية.
ويؤكد أن "تشكيل لجنة دولية لن يكون حلاً مجدياً دون وجود إرادة سياسية حقيقية تدعم جهود مكافحة الفساد"، مشيراً إلى أن بعض القوى النافذة قد تستفيد من استمرار الوضع الحالي للحفاظ على نفوذها ومصالحها.
محاولات كشف الفساد.. إنجازات محدودة
رغم التحديات، تمكنت الجهات الرقابية خلال السنوات الماضية من الكشف عن العديد من ملفات الفساد، واسترجاع أجزاء من الأموال المهربة. إلا أن هذه الإنجازات تبقى متواضعة مقارنة بحجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، حيث ما زالت ملفات الفساد الكبرى، مثل تهريب الأموال وصفقات العقود الوهمية، تشكّل عائقاً أمام أي إصلاح حقيقي.
هل التدخل الدولي هو الحل؟
في ظل هذه التحديات، تتزايد المطالبات بإشراك جهات دولية في التحقيق بملفات الفساد، وهو ما يرفضه بعض السياسيين، بحجة أن العراق قادر على معالجة الفساد داخلياً.
إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن أي جهود لمكافحة الفساد ستظل غير كافية ما لم تُترجم إلى خطوات عملية مدعومة بإرادة سياسية حقيقية لمحاسبة الفاسدين، بغضّ النظر عن انتماءاتهم.
يظل العراق عالقاً بين أدوات الرقابة غير الفاعلة وإرادة سياسية غير جدية في محاربة الفساد، مما يترك الباب مفتوحاً لاستمرار نهب المال العام دون محاسبة.
وبينما تبقى الحلول السياسية غائبة، يدفع المواطن العراقي ثمن هذا الفساد في كل مناحي حياته، من تردي الخدمات إلى تأخر المشاريع التنموية. فهل يشهد العراق مستقبلاً تغييراً جذرياً في مواجهة الفساد، أم يبقى الوضع على ما هو عليه؟